مقال

أن تشعر هو أن تؤمن كيف تعمل حواسنا معاً؟!

إقرأ المزيد آخر تحديث: نوفمبر 2019
Katherine Diggory بواسطة Katherine Diggory
مدة القراءة 4 دقيقة

إن حواسنا مذهلة، فتعمل الحواس جميعها، البصر والسمع واللمس والشم والتذوق، معًا لتشكيل الأحاسيس وتنوب عن بعضها البعض إذا تطلب الأمر، وعندما يتم تعزيز الأحاسيس بما نتعلمه والخبرات التي نتعرض لها، نطلق عليها الادراك، ويعمل الاحساس والادراك معًا على جعل البشر مميزين حقًا عن سائر المخلوقات.

كيف تعمل جميع الحواس معًا؟

تعمل كل حاسة من حواسنا بكفاءة وحدها ولكن الحقيقة هي أن حواسنا غالبًا ما تعمل معًا لتجعلنا نعمل بكفاءة أكبر. توضح سينتيفيك أمريكان أن "بالنسبة لأدمغتنا، يعد "المذاق" دمج لمذاق الطعام ورائحته وملمسه في احساس واحد فقط، ويحدث هذا الاندماج بين الصفات لأن، خلال المضغ أو الاحتساء، تنبع جميع المعلومات الحسية من مكان مشترك ألا وهو ما نأكله"، وأوضحت دراسة أخرى أن هذا الأمر ينطبق على البصر والسمع وأن تفسير الناس للأصوات يعتمد على المؤثرات المرئية، وسردوا مثالًا أن عندما تطلق سيارة بوقها، يستجيب الناس دون جزع لو كانوا بأمان في بيوتهم ولكنهم يفزعون عند سماعهم الصوت ذاته عندما يعبروا شارعًا مزدحمًا.

هل توجد حاسة أهم من الأخرى؟

إنه نقاش من قديم الأزل ولا يوجد له إجابة قاطعة، فما الذي يجعل الحاسة أكثر أو أقل قيمة؟ وهل بعض الحواس لها في الأساس أهمية أكبر في جعلنا بشرًا؟

في هذا النقاش، عادة يختار الكثيرون البصر حيث يبدو أن الدماغ لديها تركيز خاص بالرؤية، فتستحوذ المنطقة الأساسية من الدماغ المسئولة عن معالجة المحفزات البصرية، القشرة البصرية للدماغ، على أكبر مساحة من أي حاسة فردية ، يرجع هذا الأمر جزئيًا لكونها مصدر معالجة هائل، فالبصر هو أقوى حاسة لدينا لأنها تستطيع التمييز بأشكال متعددة، كما توجد أمثلة متعددة على "سيادة" البصر على الحواس الأخرى إذا كان هناك صراع، ففي تجربة وهم اليد المطاطية، يمكن لتدليك يد دمية تشبه اليد الحقيقية أمام شخص ما (مع اخفاء يده) أن يجعل الشخص يشعر كما لو أن يده هي التي يتم تدليكها.

ولكن يوجد بحث يوضح أن تسلسل الحواس يعتمد بالأساس على ثقافتنا، طُلب من أشخاص يتحدثون بعشرين لغة مختلفة بما فيها ثلاث لغات إشارة مختلفين أن يصفوا ألوان وأشكال وأصوات وأنسجة وروائح، فإذا كان تسلسل الحواس الشائع صحيحًا لكان المشاركون في الدراسة قادرين على التواصل بشأن الرؤية بشكل سهل ليتبعها الأصوات والأشكال والأصوات والأنسجة منتهية بالرائحة، ولكن بينما تصرف المتحدثون بالإنجليزية بشكل متوقع، ألا وهو وصف المناظر والأصوات بسهولة، أدى متحدثو اللغات الأخرى بشكل أفضل فيما يتعلق بالحواس الأخرى، فاستطاع متحدثو اللغة الفارسية واللاوية تحديد الطعم بشكل مثالي ربما انعكاسًا لأهمية الطهي في ثقافتهم، حقق متحدثو لغة الأمبيلا، وهي لغة مجموعة صيد وجمع تقليدية في أستراليا، مراتب أعلى من أي ثقافة أخرى عند التحدث عن الرائحة.

يخصص دماغنا أولوية للأشياء التي نشعر بها

هل ببساطة نرى ونسمع ونشم كل ما حولنا فى آنٍ واحد أم أن هناك دور للأولويات في ذلك؟ تتمثل الحقيقة في أننا يمكننا أن "نسمع" الكثير من الأصوات المختلفة في آن واحد ولكننا لا نركز إلا على صوتين فقط في المرة الواحدة، فتختار أذننا بصورة تلقائية الأصوات التي يجب أن نتفاعل معها مثل صافرة سيارة الاسعاف أو بكاء طفل، وتعد القصة مماثلة بالنسبة للأشياء التي نراها، فعندما ننظر للوحة، تنجذب أعين الناس للأماكن ذاتها، وأول أشياء نراها في الصورة وجوه الناس، لذا، فبعد التحديق بأي عمل فني لخمس ثواني، قد تتمكن من تحديد عدد الناس الموجودين بها وأشكالهم ولكن غالبًا لن تتمكن من ذكر العناصر الجامدة في المشهد.

لذا تستكشف حواسنا باستمرار ما حولها ولكن الدماغ هو الذي يحدد أي الأجسام والأصوات والأطعمة التي تحتاج إلى إبرازها.

هل تحل الحواس محل بعضها البعض؟

تشير المفاهيم الحديثة إلى ذلك الأمر مثل تناول العشاء في الظلام الذي ازداد الإقبال عليه في الآونة الأخيرة خلال العقد الماضي، فهناك يستغنى رواد المطاعم عن حاسة البصر كطريقة للتمتع بتجربة طعام ذات نوع خاص.

ولكن نجد أن المفاهيم الحديثة تدعمها أيضًا الأبحاث، ففي الاختبارات السلوكية، أوضح فريق من جامعة ويسترن أونتاريو الكندية أن القطط الأليفة التي ولدت صماء تتمتع برؤية محيطية وقدرات استشعار الحركة أفضل من القطط التي ولدت بسمع طبيعي، وهي نتيجة مماثلة لنتائج اختبار البصر في الأشخاص الصم، ويعيش المكفوفون تجربة مماثلة حيث أنهم لا يحتاجون لاستخدام الجزء المتعلق بمعالجة الصور في أدمغتهم فيتحول المزيد من طاقة وقدرة المعالجة إلى حواس السمع واللمس التي ستحسن من قدرتهم على الحركة في الأرجاء، فمثلًا يستخدم المكفوفون غالبًا تقنية يُطلق عليها "الطقطقة" حيث يصدرون أصوات طقطقة قصيرة ومن ثم يفسرون الصدى الذي يسمعونه لتحديد البيئة المحيطة بهم، وتتيح تقنية تحديد الموقع بالصدى للناس تحديد أجسام معينة والسير بشكل طبيعي دون الاصطدام بالجدران أو العقبات، كما تتيح حاسة السمع المعززة للدماغ التمييز بين الأصداء التي تنتج عن تلك الطقطقة، وهو عمل باهر يبدو مستحيلًا لمن يعتمدون منا عادة على الرؤية.

هذا بفضل دماغنا المرن المميز، فعندما تغلق بعض السبل، يتمكن الدماغ من أن يسلك منعطفًا من نوع ما، فدائمًا تتكون روابط جديدة في حين تضعف روابط قديمة أو غير مستخدمة لذا دائمًا ما يتغير الدماغ ويستجيب للبيئة والعلامات المتاحة له.

الاحساس مقابل الادراك

يعتبر الاحساس والادراك عملتين منفصلتين تجمعهما علاقة وطيدة، فيعتبر الاحساس مدخلًا عن العالم المادي تتحصل عليه مستقبلاتنا الحسية ويعد الادراك العملية التي تقوم فيها الدماغ باختيار تلك الأحاسيس وتنظيمها وتفسيرها، مما يعني أن الحواس هي الأساس الفسيولوجي للادراك، كما قد يختلف الادراك من شخص لأخر بسبب تفسير دماغ كل شخص للمحفزات بشكل مختلف بناءً على تعلم الفرد وذاكرته ومشاعره وتوقعاته، وقد شرح الأمر الفيلسوف إيمانويل بحكمة قائلًا: " نحن لا نرى الأشياء كما هي، بل كما نحن نراها".

إن التوضيح الأمثل للاختلاف بين الاحساس والادراك هو كما يقوم شخص بصف سيارته والابتعاد عنها مع الاستمرار في النظر إليها، وكلما ابتعد أكثر وأكثر عن السيارة، ستبدو له كما لو كانت السيارة تصغر شيئًا فشيئًا، ولكن في هذه الحالة، هل سنفكر في أن سيارتنا حقًا تنكمش؟ فنجد أن حواسنا (البصر) تخبرنا بأنها تنكمش بالفعل ولكن من خلال وعينا بأن الأجسام لا تكبر ولا تنكمش عندما نقترب منها أو نبتعد عنها نعرف أنها كما هى، والفضل والشكر يعودان للادراك!

بحث في الموقع

اكتشف المقالات

يوفر Explore Life لك مجموعة متنوعة من المحتويات الفريدة من نوعها مع التركيز على حاسة السمع وأهميتها.