مقال متميز

التغلب على حاجز الصوت استجابتنا الانفعالية للأصوات

إقرأ المزيد آخر تحديث: إبريل 2020
Sarah Rodrigues بواسطة Sarah Rodrigues
في المجموعةالصوت
مدة القراءة 6 دقيقة

منذ ما لا يزيد عن مائة عام، ظن الكثيرون أن "حاجز الصوت" عبارة عن جدار ملموس – وأن الطائرات التي تتجاوز سرعتها سرعة الصوت تخترق هذا الحاجز جسدياً مما يتسبب في تدميرها. ولم يتم استيعاب الظاهرة التي يسببها السحب الديناميكي الهوائي والضوضاء الشديدة الناتجة عنه إلا عندما تجاوز الطيار تشاك ييغر هذه السرعة في أكتوبر من عام 1947، وبالنسبة لهؤلاء الذين لا يعرفون هذه القصة، فقد نجا كل من ييغر وطائرته وأنه أتم عامه السابع والتسعين في 13 فبراير 2020!

اختراق الحواجز الانفعالية

مر عدد قليل للغاية منا بتجربة التحليق بطائرة – بمثل هذه السرعة – طوال حياتنا، وبالرغم من هذا فإن حاجز الصوت هو شيء يواجهه الكثيرون منا في حياتنا اليومية، بل والأكثر من ذلك أنه قد يكون كيانًا ماديًا له تداعيات على العديد من المستويات الأخرى.

بالرغم من أن الصوت يعتمد على وظيفتنا السمعية "ليكون مسموعاً" بالمعنى الحرفي لهذه العبارة، إلا أنه غالبًا ما يتجاوز مختلف أنواع الحواجز، وهذا يعود جزئيًا إلى استجابتنا الانفعالية للصوت، فعلى سبيل المثال تبين أن المرضى المصابين بغيبوبة يستجيبون لأصوات أحبائهم، كما أثبت المصابون بالخرف والأمراض المماثلة التي تؤثر على الوظيفة الإدراكية أن أصوات أحبائهم تكون بمثابة حافز لهم: وقد يكون هذا الصوت على سبيل المثال لحن تم غناؤه من قبل لطفل ما أو الرقص عليه مع شخص عزيز على شخص ما أو أغنية يدندنها أحد نجوم البوب المفضلين.

لا يعد الصوت بالضرورة علاجًا لكل هذه الحالات ولكنه يُعد في معظم الحالات اختراقًا للحواجز من نوع ما، فهناك بعض الطرق التي يبدي من خلالها المصابون وأحباؤهم القدرة على الإدراك وبالتالي على التواصل، فحتى الأصوات التي لا تبدو في البداية مؤثرة عاطفيًا ربما تكون في الحقيقة شديدة الأهمية: على سبيل المثال ربما لا يبدو صفير الغلاية كشيء يؤثر في القلب والانفعالات ولكنه قد يرتبط بصور الروتين والراحة والألفة – وجميعها ذات دلالة نفسية تتعدى مجرد احتساء كوب من الشاي.

عالم بلا جدران

هناك طرق أخرى لا يمثل فيها مختلف أنواع الحواجز عائقًا أمام الصوت، فالضوضاء الصادرة عن حفلة الجيران التي تتجاوز الجدران ربما تكون عائقًا بالرغم من كونها أقل تأثيرًا من عوائق أخرى! كما توجد حواجز ثقافية يتخللها الصوت بقوة: فكر على سبيل المثال في الهتاف (والصياح) في مباراة كرة قدم، فبالرغم من حضور أشخاص من مختلف الخلفيات والثقافات سيتعرف الجميع على أصوات الاحتفال أو بدلًا من ذلك الإحباط، وربما ينطبق نفس الشيء على الشعبية العالمية للمغنيين ونجوم البوب خاصةً أن وسائل التواصل الاجتماعي مثل سبوتيفاي وإمكانيات التحميل المماثلة جعلت الموسيقى في الوقت الحالي متاحة بسهولة للجميع بصرف النظر عن البلد التي ظهرت فيه.

غالبًا ما تكون كلمات الأغاني معقدة ولاشك أنها أكثر تعقيدًا مما يستطيع غير المتحدثين باللغة الأم استيعابه بشكل تام، وبالرغم من هذا فإن الأغاني الحزينة التي تعبر عن الحسرة وأناشيد الحفلات المبهجة والألحان التي تأسر العواطف المشوشة والمندفعة المتعلقة بحب جديد – تخترق تلك الأصوات العوائق اللغوية والسمعية، كما أن أي شخص يعاني من ضعف في السمع أو لا يعرف لغة معينة – أو الاثنين معًا – ربما يدرك الإحساس الكامن وراء ما يسمعه.

اللغة العالمية

لماذا "تتحدث" الأصوات من هذا القبيل إلى الناس بصرف النظر عن قدرتهم على فك شفرة اللغة أو ربما سماعها بوضوح؟

حيثما يتعلق الأمر بضعف السمع، يظل الجانب الاهتزازي للموسيقى متاحًا إلى حد كبير، ولهذا أبدى المصابون بصمم عميق قدرتهم على الاستمتاع بالموسيقى والعمل على زيادة فرص الوصول إلى الحفلات الفعلية، وحتى في المنزل يمكن لطنطنة المعزوفات والأصوات العالية المنبعثة من السماعات أن تثير الاستجابات وتبعث على البهجة، وقد اقتبس كثيرًا عن هنري وادزورث لونغفيلو قوله أن: "الموسيقى هي اللغة العالمية للبشرية." فالسمع يُعد أحد الحواس الخمسة ولكن الموسيقى وفي الحقيقة الصوت يُعد إحساس في حد ذاته.

على سبيل المثال أثبتت الدراسات أن مقطع صغير مدته 14 ثانية يُعد كافيًا لإمداد المستمعين برؤية دقيقة عن "معنى" أي أغنية – مما يوضح أن "الموسيقى" ليست فقط متأصلة بعمق في الطبيعة البشرية بل أن بعض الأنواع من الأغاني تتجاوز الحدود الثقافية." فقد ثبت أنه من خلال الاستماع إلى مقطع صغير من أغنية ما يستطيع المستمعون التمييز بين التهويدات أو الموسيقى المخصصة للرقص أو الموسيقى التي تبعث على الحب، فهذه القدرة على تمييز المعنى كانت موجودة في الأساس بالرغم من الاختلافات: تم اختيار ال750 مشارك في هذه الدراسة المحددة من 60 دولة وتم جمع الأغاني من حوالي 90 مجتمع صغير في جميع أنحاء العالم بما في ذلك مجتمع الصيادين والرعاة ومزارعي الكفاف."

السمع والمعنى

يُقال إن العاطفة بقدر ما تعتبر الأداة التي قد تدمر أو تخترق حاجز الصوت، ربما تكون في بعض الأحيان جانب الخبرة الإنسانية الذي يضع الحاجز في مكانه، فكيف ذلك؟ لأن ما نسمعه وما نستمع إليه فعليًا شيئان مختلفان ولكن تربطهما علاقة قوية، وبصرف النظر عن الوظيفة السمعية، ربما تبني مشاعرنا حاجزًا بين ما يتم سماعه وطريقة سماعنا – ومعالجتنا إياه، فعلى سبيل المثال ربما تعمل أحاسيس مثل الملل والكراهية والتصورات المسبقة على بناء جدران تعمل على تغيير تأثير ما يُقال، ومن نفس المنطلق وبالرغم من أن مشاعر مثل الحب والقبول والاهتمام (التي تنطوي على الاستمالة والمجاهرة) قد تبدو وكأنها مشاعر من شأنها إزالة الحواجز بدلًا من بنائها، إلا أنها تصنع حاجزًا من نوع ما من خلال تغيير التصورات وتشويه جوهر الشيء المراد نقله، وتشير عبارة "يسمع الناس ما يريدون سماعه" إلى هذه الظاهرة: يمكن أن تتسبب المشاعر المختلفة سواء إيجابية أم سلبية في سماع رسالة مختلفة عن الرسالة المراد نقلها.

ربما تصنع عقولنا والسرعة التي تعمل بها "حاجز صوت" من نوع ما، وتشير التقديرات إلى أن المخ البشري يمكنه صياغة "الحديث الداخلي" بمعدل 4000 كلمة في الدقيقة أي ما يعادل 10 مرات أسرع من الحديث اللفظي، وهناك اعتقاد بأن أفكار المستمع قد تغفل في كثير من الأحيان رسالة المتحدث بدرجة كبيرة وتقوم بصياغة الاستجابات وتقييم المحتوى نقديًا ووضع افتراضات عن المراحل النهائية والمحصلات، وقد يؤدي كل هذا النشاط الذهني إلى خلق حاجز صوت يحول دون التواصل الفعال.

اختراق الحاجز

لا شك أن العوامل البدنية وليس فقط الانفعالية لها دور في ذلك، فانظر على سبيل المثال في مدى صعوبة متابعة حوار في بيئة صاخبة أو في الوقت الذي يلزم فيه ضبط مستوى صوت التلفاز أو الراديو على وضع "مرتفع". فبالنسبة للشخص الذي يتمتع بمستوى معقول من السمع ربما تكون مثل هذه المواقف مليئة بالتوتر والقلق والاضطراب، أما بالنسبة للشخص المصاب بضعف في السمع ربما تمثل "حواجز الصوت" من هذا القبيل كل هذا وأكثر: فهي غير قابلة للاختراق وتحجب كل شيء بخلاف الحد الأدنى من الموجات الصوتية المؤثرة.

كيف تخترق حاجز الصوت في هذه المواقف؟

كما هو مذكور أعلاه، يمكن للنشاط الاهتزازي أن "يتحدث" إلى الأشخاص غير القادرين على السمع بالمعنى التقليدي، ومع هذا تضيع دائمًا الفوارق الدقيقة الإضافية – والبسيطة - في اللغة والتركيب والنغمة.

ربما تعمل السماعات على تضخيم الصوت ولكن هل تجعله أكثر وضوحًا؟ بالنسبة لبعض المستخدمين، يتسبب تضخيم الصوت في عدم وضوح وكركرة تؤديان في النهاية إلى جعل الشخص أكثر توترًا وانزعاجًا بالمقارنة بعدم القدرة على السمع على الإطلاق. تخيل إحساس النظر إلى شيء ما من خلال عدسة تقوم بالتكبير وليس بالتركيز، فالمشاهد يستطيع الرؤية ولكنه لا يستطيع فهم ما يراه.

عندما تكون صعوبات السمع مسألة تتعلق بمستوى الصوت، ربما تكون هذه التقنيات أكثر من كافية، ومع هذا وبالتحديد في عام 1957 أي بعد 10 أعوام فقط من قيام تشاك ييغر باختراق حاجز الصوت، تم التوصل إلى إمكانية اختراق حواجز الصوت الأكثر ارتباطًا بالأرض مع اختراع أول زرعة لقوقعة الأذن، ومنذ الزراعة الناجحة لأول غرسة قوقعة متعددة القنوات عام 1977 على يد الجراح البروفيسور كورت بوريان في مستشفى فيينا العام، واختراع إنغيبورج هوشمير- ديسوير وفريقها يساعد على استعادة السمع للأشخاص المصابين بأنواع مختلفة من ضعف السمع، فالزرعات السمعية بالاختلاف عن سماعات الأذن التي تجعل الصوت أعلى، تحفز العصب السمعي مباشرةً وتلغي كليًا الجزء التالف من الأذن، ووفقًا للدراسات يستطيع الحاصلون على الزرعة إستيعاب العبارات – ليس فقط الصوت والمعنى الضمني بل اختيار الكلمات الفعلي والمعنى المقصود – وهو ما يعد أفضل عدة أضعاف مما كانوا عليه عند استخدامهم للسماعات. بالنسبة للشخص المصاب بضعف في السمع، ربما يتخذ حاجز الصوت عدة صور سواء صور عاطفية أم مادية أم مزيج من الاثنين – ولكن ربما تتمتع التقنية المتوفرة لاختراق هذا الحاجز الصوتي بنفس القدر من الأهمية التي تخيلها هؤلاء الذين تصوروه فيما مضى جدارًا صلبًا يحدث تغييرًا في الحياة.

إعتن بحاسة السمع لديك

التواصل ضروري في كل الأوقات.

إقرأ المزيد

بحث في الموقع

اكتشف المقالات

يوفر Explore Life لك مجموعة متنوعة من المحتويات الفريدة من نوعها مع التركيز على حاسة السمع وأهميتها.