مقال

هل كل ما هو ضروري (غير) مسموع؟ رسالة تقدير موجهة إلى حاسة السمع

إقرأ المزيد آخر تحديث: ديسمبر 2020
Renata Britvec بواسطة Renata Britvec
في المجموعةالحياة
مدة القراءة 7 دقيقة

هناك مقطع في كتاب "الأمير الصغير" يُقتبس مرارًا وتكرارًا: "فقط بالقلب يمكن للمرء أن يرى الأشياء على حقيقتها؛ فكل ما هو ضروري لا تراه العين." إن فكرة أن كل ما هو ذو مغزى لا يمكن الشعور به إلا في أعماق القلب قد فتنت أجيالًا من قراء أكثر الكتب مبيعًا في العالم، وهنا يأتي السؤال: هل كل ما هو ضروري غير مرئي فقط، أم أنه غير مسموع أيضًا؟

الطريق إلى القلب

من المثير للاهتمام أن كلمات الكاتبة الفرنسية الشهيرة في القرن السابع عشر "الأذن هي الطريق إلى القلب" لا تزال تردد على شفاه الجميع في القرن العشرين. تركز هذه الحكمة اليومية الساحرة على حاسة السمع بدلًا من حاسة البصر لاستيعاب الجنس البشري، إن تركيزنا سواء على الأذن أو العين هو مجرد تعبير عن بصمة ثقافية وفلسفية وروحية لا يدركها الكثير منا في الوقت الحالي بشكل خاص، لا يمكن أن تكون هذه البصمات بدورها أكثر اختلافًا ولها عواقب وخيمة على مهارات الاستماع لدينا – وعلى مجتمعاتنا.

أنطوان دو سانت إكزوبيري والأمير الصغير
© Getty Images

لم يسمع به! ضعف السمع في الفلسفة الغربية

يُعد إدراك - وبالتالي الأهمية التي تُعزى إلى - السمع في الفلسفة الغربية أمر جدير بالملاحظة، وفقًا للفيلسوف اليوناني القديم هرقليطس (حوالي 535-475 قبل الميلاد)، فإن ما يرتب الكون ويعطيه شكلًا ومعنى هو الشعارات والتي تُترجم إلى الكلمة والعقل والخطة، يقول جزء من قطعة منسوبة إلى هيرقليطس: "إن القانون (قانون الكون) كما هو موضح هنا؛ لكن الرجال دائمًا غير قادرين على فهمه، قبل سماعه، وعندما سمعوه لأول مرة"، يبدو أن السمع هو الطريقة الأساسية لإدراك اللوغوس - وهي فكرة نقلتها أيضًا أنظمة المعتقدات الشرقية والتقطتها لاحقًا الديانات التوحيدية.

على الرغم من ذلك، فإن الجماليات الفلسفية اليونانية على مر القرون كانت بكل المقاييس نظريات بصرية، فعلى سبيل المثال يفضل أرسطو (384 - 322 قبل الميلاد) النظر إلى جميع الحواس الأخرى وينسب إليها الأهمية القصوى، كما يقول في عمله الشهير "الميتافيزيقيا/ الماورائيات"، كان هناك بلا شك فلاسفة غربيون على مر الزمان اتخذوا نهجًا جماليًا مختلفًا، مثل أرثر شوبنهاور، وفريدريك نيتشه، وتيودور أدورنو، وجان-لوك نانسي، ومع ذلك، ظلت الفلسفة الغربية بشكل أساسي وفية لجذورها اليونانية القديمة، عرَّف الفيلسوف الألماني من القرن العشرين هانز جورج جادامير "العين" على أنها إحدى الخصائص الهامة للفلسفة اليونانية، وهي متأصلة بعمق في الثقافة الغربية لدرجة أننا ما زلنا نعتقد: أن المعرفة هي الرؤية.

أهمية الصوت في الفلسفة الشرقية

تتبع الفلسفة الشرقية نهجًا مختلفًا، ولاشك أن اليوغا تعتبر أحد الأمثلة المؤثرة على ذلك، فاليوغا هي إحدى الطرق المرتبطة بـالسامخيا وهي واحدة من المدارس الأرثوذكسية الستة في الهند القديمة، تصف نظرية سامخيا ازدواجية الروح النقية (بوروشا) والعالم المادي (براكريتي)، بينما اليوغا هي الممارسة التي تؤدي إلى تحقيق الذات والشفاء، وتتكون عادةً من "ثمانية أطراف"، بما في ذلك التأمل والتحكم في التنفس والتركيز، ومع ذلك، أصبحت اليوغا في العالم الغربي موضوعًا للتخصص الثقافي، كما توضح مدربة اليوغا الهندية الأمريكية رينا ديشباندي في مقال لمجلة اليوغا، غالبًا لا تتعدى اليوجا في الغرب مجرد كونها اتجاه متعلق بأسلوب الحياة أو نوع من الجمباز من المفترض أن ينظم جسمك ويفيد صحتك - لا شئ أكثر من ذلك، هناك دورات فعلية وكتب تم الإعلان عنها على أنها "خالية من جوانب الروح والبراهماتية Om free"، أي خالية من أي روحانيات أو أجراس أو كلمات سنسكريتية أو ترانيم.

ومع ذلك، يرتبط الكلام (التعبير عن الفكر) في اليوجا التقليدية ارتباطًا وثيقًا بفلسفة البرانا (طاقة الحياة المحمولة في النفس)، نحن نتحدث استخدام أنفاسنا وطاقتنا الحياتية، وبالحديث نكتب واقعنا، قد يعتبر المرء أن الكلام هو تجسيد لفلسفة برانا، يقدم التركيز (الدهارنا) وهو الطرف السادس من اليوجا العديد من الطرق لمساعدة الذهن على التركيز على اهتمام واحد وبالتالي التواصل مع الإله، ويتمثل أحد هذه الطرق في تكرار ترانيم مثل "أوم OM"، يمثل هذا المقطع السنسكريتي الصوت الأساسي للكون؛ ولا يربطنا قوله وسماعه بالإله فقط، بل أيضًا بالطاقة الإلهية.

أديان العالم تهتز مع الصوت

نظرًا لأن اليوغا لها جذور في الكتاب المقدس الهندوسي، فمن الواضح أن الكلام والصوت عنصران حاسمان في نظرية وممارسة الهندوسية، تُعد الصلاة المتكررة جزء لا يتجزأ من العبادة، وهناك عدد لا يحصى من الترانيم، ويمارس الهندوس الترنيم أو الغناء بدلاً من الاكتفاء بالصلاة لأنهم لا يفكرون فقط في معنى الكلمات ولكنهم أيضًا يهتمون بصوتها واهتزازها لتلقي المعنى الروحي، ينطبق الأمر نفسه على البوذية: فهناك اعتقاد بأن ترديد الترانيم يساعد المصلي على تغيير وعيه وإزالة السلوك (الكارما) السلبي وتحقيق التحرر، أحد الأناشيد البوذية المعروفة هي "أوم ماني بادمي هام" "Om mani padme hum"، حيث يركز الممارسون من خلالها على التعاطف مع جميع الكائنات الواعية.

من المثير للاهتمام أن جميع الديانات الخمس التي تسمى ديانات العالم تعتمد على الكلمة باعتبارها صوتًا ووسيلة للتواصل بين الإنسان والإله، يبدأ سفر التكوين، وهو أول سفر من الكتاب المقدس العبري والعهد المسيحي القديم، بعبارة مشهورة: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله"، ولكن لكي تدرك الكلمة ، يجب أن تسمع الكلمة ؛ يجب عليك الإنصات، تلقي الكلمة العبرية شيما (shema) الضوء على ما يعنيه حقًا الإنصات إلى الله: فهي تُترجم إلى السمع والإنصات والطاعة - وبالتالي، فإن سماع الله يتطلب الإنصات إلى الله ، والإنصات إلى الله هو طاعة الله، في الديانتين اليهودية والمسيحية دعا الله العالم إلى الوجود، وهناك مفهوم مماثل في الإسلام، تنص الآية 11 من السورة رقم 41 (سورة فصلت) من القرآن الكريم على ما يلي: " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ"، ومرة أخرى، نرى العلاقة بين الحديث والإنصات والطاعة.

نغمة الصوت المثالية – قدرة مذهلة

يبقى السمع مجرد موضوع هامشي في ثقافتنا البصرية الغربية، فهو لا يصبح موضوعًا على المستوى المجتمعي فقط إلا عندما يتعلق بإعاقة - أو بالسمع المثالي على الجهة المقابلة، يُقال أن كل من موزارت، وباخ، وجيمي هندريكس، وعازفة الكمان آن صوفي موتر كان لديهم القدرة على تصنيف كل نغمة في أي نظام نغمي بشكل صحيح دون الحاجة إلى نغمة مرجعية، هناك الآن العديد من الدراسات الدولية التي تريد كشف سر نغمة الصوت المثالية، وفقًا لعالمة النفس الموسيقي ديانا ديوتش من جامعة سان دييغو في كاليفورنيا، يمكن للجميع الحصول على نغمة صوت مثالية، ما عليك إلا أن تتعلم لغة نغمية مثل لغة الماندرين أو اللغة التايلاندية أو لغة من لغات غرب إفريقيا مثل اللغة الإيبيبيوية أو اللغة الهوسية في سن مبكر بما فيه الكفاية، يعتقد باحثون آخرون أن نغمة الصوت المثالية، مثلها مثل حجم الجسم، شيء وراثي.

يبدأ كل شيء مع النغمة الموسيقية أ

في عام 2001، اكتشف العلماء أن كل طفل يولد على ما يبدو بنغمة صوت مثالية، تنمو الاذن قبل العين، لذلك يستطيع الطفل أن يسمع نبض قلب الأم وهو في الرحم، ويتواصل بالفعل مع الأم والعالم الخارجي أثناء نموه - من خلال الأذنين ومن خلال السمع، تحتاج حاسة السمع مثلها مثل حاسة البصر محفزات خارجية كي تتطور، يمكن للطفل الذي لم يولد بعد أن يشعر بالإشارات الصوتية في وقت مبكر من الشهر الخامس (الأسبوع العشرين) من الحمل، وهذا أحد أسباب تعرف المولود الجديد على صوت والدته منذ البداية، كما يتفاعل الطفل جسديًا منذ منتصف الحمل مع محفزات السمع؛ فأصوات مثل الضوضاء الصاخبة تجعله ينكمش، عندما يولد الطفل أخيرًا، يصرخ - بالنغمة الموسيقية أ التي تُعد النغمة المرجعية لضبط الآلات الموسيقية.

كيف تعمل حاسة السمع

تعمل حاسة السمع لدينا بطريقة مذهلة لا يمكن تصديقها، اطلع على المزيد عن كيفية عمل أذنينا ومخنا معًا حتى يمكننا السمع وإدراك العالم المحيط بنا.

إعرف المزيد

الاستماع بالرغم من الإصابة بإعاقة السمع

لا تحتاج حقيقة أن السمع السليم شرط أساسي من أجل تحقيق تطور لغوي صحي مزيدًا من الشرح، وهي أيضًا حقيقة يستهين بها المجتمع ولا يقدرها، ربما هذا هو السبب في عدم إجراء اختبار للسمع، على عكس الرؤية، في كثير من الأحيان أثناء الفحوصات الطبية الروتينية، ولا حتى مع نزلات البرد أو العدوى الحادة، ومن الأمثلة الشهيرة لذلك الملحنة الأسكتلندية إيفيلين غليني (مواليد 1965) التي تعتبر أشهر عازفة طبول في العالم، قبل التحاق إيفيلين بالمدرسة الثانوية، اكتشف مسؤول طبي بالصدفة أنها تعاني من صعوبة شديدة في السمع، كانت حالتها ناتجة عن تلف تدريجي في العصب السمعي، ربما نتج عن انتشار الالتهاب في الأذن، إن إيفيلين غليني، الملحنة الموهوبة موسيقيًا التي تمكنت من أن تعلم نفسها طريقة لاستخدام أجزاء أخرى من جسدها غير أذنيها في السمع، شقت طريقها على الرغم من إعاقتها، لقد استمعت إلى قلبها وركزت على شيء أساسي بالنسبة لها، وضربت مثالًا لما يمكن أن يحققه الأشخاص الذين يعانون من إعاقات سمعية.

إيفيلين غليني
© © فيليب رازمر

الاستماع الشامل

دعونا نعود إلى المقولة الشهيرة لأنطوان دو سانت إكزوبيري: "فقط بالقلب يمكن للمرء أن يرى الأشياء على حقيقتها؛ فكل ما هو ضروري لا تراه العين."، لهذا ربما ترغب في النظر إلى الأشياء بقلبك لإدراكها بشكل شامل دون إصدار أحكام وفي ضوء الحب، ومع ذلك، فإن كلمات مدام سكودري تجعلنا نؤمن أن الضروريات قد تكون مسموعة عندما قالت أن "الأذن هي الطريق إلى القلب"، هل نستطيع من خلال الاستماع أن نفهم من نحن كبشر؟

على النقيض من العينين، لا يستطيع المرء أن يغلق أذنيه فهما مفتوحتان وتعملان طيلة الوقت حتى عندما نخلد إلى النوم، من بين حواسنا الخمس، تُعد حاسة السمع الحاسة الوحيدة التي تتيح لنا إدراك كل شيء يدور من حولنا، فأعيننا، على سبيل المثال، لا تمكننا إلا من رؤية ما يقع ضمن نطاق رؤيتنا لا أكثر، أما آذاننا فتسمح لنا بسماع ما يحدث خلفنا وفي الغرف المجاورة وخارج نافذتنا وفي الشوارع، ربما لا يمكننا رؤية الشيء وربما لا يمكننا شمه وربما لا يمكننا الشعور به - ولكن يمكننا سماعه، لذلك تعتبر حاسة السمع الحاسة الشاملة، إن آذاننا هي التي تضرب مثلًا وتشجعنا على أن نكون منفتحين في جميع الأوقات، منفتحين تجاه أنفسنا وتجاه جميع المخلوقات من حولنا، كما تعتبر القناة السمعية طريق الحنين والطموح الذي يقودنا إلى عالمنا الداخلي والخارجي، الأذن هي البوابة التي تقودنا إلى ما هو ضروري، ولهذا يتوجب علينا احترام حاسة السمع وتقديرها من خلال الاستماع بعناية إلى كل ما تقدمه الحياة.

النسخة الألمانية الأصلية بواسطة: ساندرا جيوتز.

إغلاق

المزيد من المجموعة الحياة

المقالات

المجموعات المتشابهة

المزيد من المجموعة

بحث في الموقع

اكتشف المقالات

يوفر Explore Life لك مجموعة متنوعة من المحتويات الفريدة من نوعها مع التركيز على حاسة السمع وأهميتها.